"ان الوزير هو منظم اعمالنا , وزينة دولتنا , انه لساننا الذي نعبر به , وسلاحنا الذي اتاح لنا ان نضرب اعداءنا في البلاد البعيدة "( ).
ولعل هذا الاهتمام قد منح كبير الوزراء امتياز الدخول على الملك في أي وقت لعرض الاعمال عليه , والتشاور معه في امور الدولة( ) , وقد خصص له كرسي من ذهب وضع امام عرش الملك ومن تحته كرسي الموبذان موبذ( ) , وهذا يدل على علو شان الوزير وارتفاع مرتبته.
ويساعد كبير الوزراء في تنفيذ الاعمال وزراء اقل منه مرتبة ياتمرون بامره( ), وابرزهم ( الواستر يوشانسالار ) أي رئيس الزراع ويلقب بلقب اخر هو ( توخش بند ) أي رئيس الصناع او رئيس كل من يمتهن حرفة يدوية , عبيدا او حراثين اوتجارا , وهو بمثابة وزير المالية , وكانت هذه الوزارة تتضمن وزارات الزراعة والعمل والتجارة( ).
وقد شهد العصر الساساني رجالاً اكفاء شغلوا منصب كبير الوزراء( ) , كان ابرزهم ( مهرنرسي ) ابن برازه بن فراخزاد , ولقبه ( هزاربنده ) حيث شغل هذا المنصب في عهد ثلاثة ملوك هم يزدجرد الاول (399-420م) , وبهرام جور بن يزدجرد (420-438م) , ويزدجرد بن بهرام ( جور ) (438- 457م)( ).
وكان لمهرنرسي ثلاثة ابناء شغلوا مناصب ادارية رفيعة في عهده عندما كان كبيرا لوزراء بهرام , فاحدهم كان متوليا لديوان الخراج , والاخر صاحب الجيش الاعظم , وهي مرتبة فوق مرتبة الاصبهذ , وتقارب مرتبة الاركبذ , والثالث صيره بهرام جور هربذان هربذ( ),وبهذا اصبح مهرنرسي صاحب اليد الطولى في المملكة حتى اطلق على نفسه لقب(بزرك فرمادار ايران وغير ايران)( ) , وقد مارس مهرنرسي كافة صلاحياته حتى انه قاد جيش الدولة في حربها ضد الإمبراطورية البيزنطية , ووقع على معاهدة الصلح معها( ).
وعلى الرغم من اهمية منصب كبير الوزراء الا انه لم يكن منصبا وراثيا , فليس له الحق في تعيين خلفه( ) , وفي الاغلب يكون شاغل هذا المنصب من الاسر الكبيرة والمعروفة( ).
لقد طرأت على صلاحيات وسلطات كبير الوزراء بعض التغييرات في عهد الملك كسرى انوشروان ( 531- 579م ) , اذ ان الاصلاحات التي قام بها هذا الملك ادت الى الحد من اختصاصاته , وذلك بتحويل بعض مهامه الى موظفي البلاط( ) , ومنهم كبير الكتاب (نكير يدار), الذي ولي مهمة تقديم التقارير عن كل مايجري في المملكة مع بيان مايوصي به من راي,واوكلت ادارة الشؤون المالية وكل مايتعلق بدخل الدولة الى نائب الوزيـر ( وكيل – در) , ثم الغى تدخل كبير الوزراء في شؤون الولايات , وذلك بادخاله نظام الاصبهذين الاربعة , الذين عهد اليهم بإدارة أرباع المملكة( ) , ولأن كبير الوزراء كان يمثل ملك الملوك في داخل المملكة وخارجها , فلا بد له ان يتحلى ببعض صفات الملوك , لذلك كان الاكاسرة يراعون عند اختيارهم من يتولى الوزارة ان يكون شريف الحسب والنسب , صحيح الذهن , بصيراً بالسياسة , عارفا بالسنة , عالما بطبقات الناس ومراتبهم واحوالهم , عارفا بالبلاد وباعدائها المجاورين لها , معرضا عن السوء , ومغضبا عن الزلة , مؤثرا لمحبة الملك على كل محبوب , محصنا لاسراره( ), نبيل الطبع , متقدماً على اهل زمانه , قادرا على التاثير في الملك اذا اتبع الهوى( ), وهكذا فان كبير الوزراء موضف ذو كفاءات متعددة يستطيع ان يوجه ادارات الدولة سواء كانت مدنية او عسكرية.
2- المناصب الادارية العليا في الدولة:
لم يكن النظام الاداري للدولة الساسانية خلقا جديدا , فان النظم الادارية والقاب الموظفين الاصطلاحية كانت موروثة عن الفرثيين بوجه عام , لكن الملوك الساسانيين قد طوروا هذا النظام بشكل لم يعهد من قبل( ) , فاصبح التنظيم الاداري احد المعالم الحضارية التي تميزت بها الدولة الساسانية( ).
فمنذ ان ابتدا اردشير بتوسيع رقعة نفوذه خارج اقليم فارس , كان اهتمامه بالنظم الادارية يسير جنبا الى جنب مع العمليات العسكرية , فاهتم بوضع اسس الادارة المدنية مبتدا باعلى المناصب الادارية فعين له وزيرا ليشرف على الشؤون الادارية في الدولة( ) , ثم اعلى المناصب الدينية فعين الموبذان موبذ ليتولى ادارة المؤسسة الدينية( ) , وكذلك اهتمامه بتنظيم المؤسسة العسكرية( ) , وكانت هذه التشكيلات تعمل تحت اشراف وتوجيه الملك اردشير الاول( ) , ومن هنا بدات هيكلية الجهاز الاداري للدولة.
فكان يتبع كل مؤسسة من هذه المؤسسات الثلاث جهازا اداريا كبيرا , يتضمن العديد من المناصب والوظائف المهمة , وقد ورد ذكر اهمها في قوائم (المسعودي)( ) , و(اليعقوبي)( ) , وعلى الرغم من اختلاف المؤرخين حول تواريخ تلك القوائم , الا انها قد اتفقت في ذكرها للمناصب العليا في الدولة , وهي كبير الوزراء ويلقب ( بزرجفرمذار) , ومنصب (الموبذان موبذ) وهو القائم بامور الدين , ورئيس فئة رجال الدين ( الموابذة ), واتفقت على ذكر مناصب الاصبهذين الاربعة , وهم اصحاب تدبير المملكة , وهم اربعة كل واحد منهم كلف بتدبير جزء من اجزاء المملكة , ثم منصب المرزبان , وهو خليفة الاصبهذ ونائبه , وهم اربعة ايضا( ).
وقد اكتفت قائمة المسعودي الواردة في كتاب مروج الذهب بذكر هذه الوظائف , في حين استمرت قائمته في كتاب ( التنبيه والاشراف) , وقائمة اليعقوبي بذكر مناصب ادارية اخرى الا ان قائمة اليعقوبي كانت اكثر شمولية , وفيما عدا النصوص الماخوذة عن المسعودي واليعقوبي يوجد نص بهلوي يسمى ( حديث المائدة ) ذكره الاستاذ (ارثر كرستنسن)( ) , جاء في فقراته (9 – 14 ) قائمة بالوظائف الادارية التي كان معمولا بها في الدولة الساسانية, ونلاحظ من ترتيب تلك الوظائف انحطاط مكانة رجال الدين , مما يجعل تحديد تاريخ هذه القائمة بالمرحلة الاخيرة من عمر الدولة الساسانية , حيث اخذت مكانه رجال الدين بالتدهور واخذت الفوضى بالازدياد( ).
وهناك اشارات الى استحداث وظيفة نائب الوزير (وكيل – در) , ويسمى بالبهلوية (ايرنماركار) او (ايرنمارغر)، وكان ظهور هذه الوظيفة نتاج الاصلاحات التي قام بها الملك كسرى انوشروان( ), واوكلت اليه مهمة الاشراف على الشؤون المالية وبكل مايتعلق بدخل الدولة( ).
ومن الوظائف الادارية المهمة التي لم يرد ذكرها في القوائم السالفة الذكر هي وظيفة الاركبذ (القائد الاعلى للجيش) التي تولاها اردشير في مدينة دارابجرد قبل تمرده على الملك الفرثي( ) , فقد ظل العمل بهذه الوظيفة خلال القرون الثلاثة الاولى( ) , الى ان قام الملك كسرى الاول بادخال نظام الاصبهذين الاربعة.
وقد كانت هذه الوظيفة من حق الاسرة الساسانية , لانها اكبر رتبة عسكرية( ) , ولعل عدم ذكرها في قوائم المسعودي واليعقوبي يعود الى ان هذه القوائم قد اعدت بعد الغاء هذه الوظيفة.
وهناك بعض الوظائف اتخذها الملوك الساسانيون في بلاطهم , لاظفاء مظاهر الهيبة والاحترام فضلا عن مهامها الرئيسة , واهم تلك الوظائف رئيس الحرس الملكي (بشتيكبان – سالار) , ورئيس الديوان الملكي , ورئيس المراسم او التشريفات , ورئيس الحجاب( ).
3- ادارة الاقاليم:
اما التقسيمات الادارية للدولة الساسانية , فقد استمر الساسانيون على اتباع النظم الاخمينية والفرثية في تقسيم الدولة الى ولايات, وقد اختلفت القاب حكامها , فمنهم من يحمل لقب ملك (شاه) وهم ابناء البيت الحاكم، فقد كان لسابور الاول ثلاثة اخوة يحكمون ثلاث
ولايات , وكان لقبهم ملك (مروشاه , كرمانشاه , سكتان شاه )( ), وكذلك يشمل لقب ملك حكام الحيرة , فقد كان الملك فيهم وفي ابنائهم( ). اما الاقاليم الحدودية فكان حكامها يسمون مرزبان أي (رئيس البلد)( ) او حافظ الثغر( ) , وهو يشبه الحاكم العسكري للمدن الغير مستقرة او الثائرة( ), ومنذ عهد كسرى انوشروان اصبح عددهم اربعة يتولى كل منهم ربع المملكة, كنائب عن الاصبهذ( ).وكانت تلك الولايات مقسمة الى مديريات تسمى(استان),وكان يطلق على حاكمها اسم (استاندار),وتقسم تلك الاستانات بدورها الى مدن صغيرة تسمى شهر, (ولكل منها عاصمة او مركز يسمى شهرستان) ويسمى حاكمها شهريك, اماالقرية (ديه) وسوادها يسمى (رستيك) فكان حاكمها يسمى (ديهيك) ( ).