- سلسلة جبال مكران :
وتمتد في الجنوب الشرقي من بلاد ايران ( ), بمحاذاة الخليج العربي , معرقلة الانتقال بين المناطق الساحلية و المناطق الداخلية لايران ( ). الا ان هذه الجبال يخترقها ممران طبيعيان احدهما يؤدي الى الجنوب باتجاه ميناء (بندر عباس) على خليج عمان , والاخر يؤدي الى بلوجستان ( ).
ان السلاسل الجبلية التي تحيط بايران تحصر بداخلها هضبة واسعة تكون الجزء الاكبر من مساحة ايران , وتبدا تلك الهضبة بالارتفاع في الاقسام الجنوبية وتنخفض كلما اتجهت شمالا , وهي تمتد من جنوب جبال البرز شمالا حتى جبال مكران جنوبا ( ), وتتخلل هذه الهضبة اقاليم صحراوية واسعة , واكبر هذه الصحاري هي صحراء (دشت لوط) في الجنوب , والاخرى (دشت كافر) في الشمال ( ), وبين دشت كافر وجبال البرز المغطاة بالغابات توجد مساحات واسعة من المراعي ( ).
وبعض اجزاء هذه الصحاري تشتمل على بحيرات ملحية تغمرها في فصل الربيع سيول الانهار الداخلية , وتتخللها ايضا مساحات من التربة الملحية او الصحاري الرملية ( ), وتوجد في اماكن قليلة متباعدة عيون ماء نتج عنها نشوء واحات خصبة مثل واحة (طبس)( ) التي تكثر فيها البساتين واشجار النخيل( ) , وتشكل هذه الواحات مواضع يعتمدها الانسان في عبور هذه المفازات الصحراوية( ) , فلا يمكن عبور صحراء (دشت لوط) و (دشت كافر) الا عن طريق تلك الواحات ( ), حيث كانت القوافل في القرون الاولى تسلك هذه الممرات الصحراوية( ) . ومن خلال هذا الطريق سارت الجيوش الاسلامية حتى نهر جيحون ( ).
وبسبب الظروف البيئية الصعبة في اغلب اقسام الهضبة الايرانية ولاسيما الوسطى , فقد اندفع الانسان منذ القدم نحو المناطق السهلية والوديان المحصورة بين السلاسل الجبلية المحيطة بالهضبة فضلا عن السهلين الوحيدين في ايران وهما السهل الساحلي الجنوبي لبحر قزوين المحصور بين سلاسل جبال البرز وساحل البحر ( ), وسهل الاحواز او سهل سوسيانا السوس (سوسة) , الذي يطل على الاقسام الشمالية الشرقية لراس الخليج العربي ( )، ويعد هذا السهل امتدادا لسهل وادي الرافدين الاسفل , وهو مكون من اراضي رسوبية كونتها ترسبات نهر كارون وروافده , واشهرها نهر الكرخة . وشهدت هذه السهول اقدم الاستيطان البشري في ايران , وقامت مراكز للعمران والمدنية فيها ( ). اما السهول الاخرى فهي ليست على هذه الدرجة من الخصب ووفرة المياه , بحيث لا يمكن زراعتها الا بالارواء الصناعي الذي مورس في ايران منذ اقدم العصور , واتسع في العهد الاخميني , وتطور اكثر في العهد الساساني حيث اقيمت شبكة واسعة من القنوات والكهاريز ( ), تحت الارض بطريقة بزل المياه وجذبها من سفوح الجبال وتجميعها في حفر عميقة تجري فيها الى المناطق البعيدة لريها( ).
وتوجد في ايران اكثر من ثلاثين بحيرة راكدة ( ), يعتبرها علماء الجيولوجيا بقايا بحر مندرس كان يغطي الجزء الاكبر من الهضبة الايرانية والمناطق المجاورة لها , وابرز تلك البحيرات بحيرة ارومية التي تقع في الناحية الغربية من اذربيجان ( ), ومياه هذه البحيرة شديدة الملوحة مما ادى الى افتقارها للاحياء المائية ( ), وتصب في هذه البحيرة مجموعة من الانهار التي تعد المصدر الرئيس لمياهها , واهم هذه الانهار نهر (آجي) الذي يبلغ طوله (160) كم وينبع من جبال سبلان شمال شرقي بحيرة ارومية , وكذلك نهر (دهخورقان) الذي ينبع من جبل (سهبذ) شرقي البحيرة . وهناك انهار عديدة اخرى تصب مياهها في هذه البحيرة ( ), التي تعد من احواض الصرف المهمة في ايران ( ), وتوجد مجموعة اخرى من البحيرات , اهمها بحيرة بختكان (نيريز) , وبحيرة (مهالو) , الواقعتان في اقليم فارس (قرب شيراز) ( ), وبحيرتا (زرة) و(هامور) في اقليم سيستان ( ). وينمو على ضفاف هذه البحيرات نبات الحلفا بشكل كثيف فيستعمل في الربيع علفا اخضر للحيوانات , فاذا جف في فصل الصيف استعمل في صناعة الحصر وغيرها ( ).
اما انهار ايران فيمكن تقسيمها حسب مصباتها الى ثلاثة اقسام , فالقسم الاول منها يصب في بحر قزوين , واهمها نهر (سفيدرود) الذي ينبع من جبال كردستان ( ), ونهر (ارسس) ونهر (لار) ونهر (جرجان) وتزداد مناسيب هذه الانهار في فصل الربيع ( ).
اما القسم الثاني فيصب مياهه في رأس الخليج العربي , واهمها نهر كارون الذي يسميه العرب (دجيل) تصغيرا لنهر دجلة ( ), وهو اكبر انهار ايران واهمها لانه النهر الوحيد الذي يصلح للملاحة , وقد كونت رسوباته قسما مهما من سهل الاحواز , ويصب مياهه في شط العرب ( ). وياتي بعده من حيث الاهمية نهر كاماسب (الكرخة) الذي يخترق سهول الاحواز ثم ينتهي في هور الحويزة ( ).
والقسم الثالث من انهار ايران هي التي تصب مياهها داخل البلاد , ومنها نهر (زاينده رود) الذي يمر باصفهان , ونهر (كن) بالقرب من الري , و(قره صو) بالقرب من همذان , ونهر (هابلة) شرقي كاشان , ونهر (كر)( ) الذي يمر بالمدينة القديمة برسيبوليس (اصطخر) ( ).
وتوجد في ايران انهار مشتركة تنبع من خارج ايران وتصب داخل الاراضي الايرانية , او تنبع من ايران وتصب خارج حدودها , ومنها نهر (هلمند) الذي يتوزع بين ايران وافغانستان وبلوجستان , ونهر (هريرود) ومنبعه من الاراضي الافغانية , ويصل الى اقليم خوارزم (داخل ايران) , ونهري الزاب الاعلى والاسفل ونهر ديالى ومنابعها في الاراضي الايرانية وتصب في نهر دجلة في وادي الرافدين ( ).
اما مناخ ايران , فيمكن تقسيمه الى ثلاثة مناطق مناخية , هي : مناخ منطقة بحر قزوين , ومناخ منطقة الهضبة الايرانية , ومناخ منطقة الخليج العربي( ). ويبدو ان هذا التقسيم يعود الى عهد الاسكندر المقدوني (333-323 ق.م) , فقد ارسل الاسكندر احد قادة حملته برحلة استكشافية من مصب نهر السند حتى راس الخليج العربي , ولاحظ ان البلاد تنقسم الى ثلاثة مناطق مناخية هي : الاقليم الساحلي وهو حار رملي , والاقليم الداخلي وهو معتدل , واقليم بارد يكسوه الجليد ( ). فاقليم منطقة بحر قزوين يمتاز بانخفاض الحرارة وغزارة الامطار الساقطة على مدار السنة , ولاسيما في منطقة كيلان ومازندران ( ), وترتفع الرطوبة في هذه المناطق ولهذا تنتشر زراعة الارز والشاي كما تنمو اشجار الزيتون في الممرات الجبلية ( ).
وفي بعض اقسام هذا الاقليم تتساقط الثلوج وتبقى فوق القمم الجبلية على مدار السنة( ), اما منطقة الخليج العربي فتمتاز بمناخها الحار الرطب وامطارها القليلة , ولاسيما منطقة الاحواز , ويرجع ذلك الى الرياح الساخنة التي تهب من شبه الجزيرة العربية ( ), ويتسم مناخ هضبة ايران بالجفاف , واكثر مناطق الهضبة جفافا قسمها الاوسط المسمى (صحراء لوط) التي تعد من اكثر مناطق العالم ارتفاعا في الحرارة ( ). اما باقي اقسامها فتتمتع بشتاء معتدل وصيف حار ( ).
وهكذا فان تعدد البيئات الجغرافية والمناخية وتنوعها لايران جعل اقساما منها تمتاز بثرواتها الطبيعية كاشجار مناطق الجبال المثمرة , واشجار الاخشاب واقسام اخرى تميزت بقدرتها على الزراعة الواسعة كاقليم خراسان وسواحل بحر قزوين, وبلاد ميديا , واقليم فارس , وعيلام ( ), وهناك اقسام افتقرت لمقومات الاستيطان مثل الصحراء الكبرى ( ).
وبلاد ايران محاطة بمساحات مائية واسعة , ففي جنوبها الغربي شط العرب , وفي الجنوب الخليج العربي وخليج عمان , وفي شمالها يقع بحر قزوين وهذه المساحات المائية كانت من اهم وسائل الاتصال الحضاري والتجاري لها مع الامم الاخرى ( ).
4- اهم الاقاليم
كانت بلاد ايران مقسمة الى اقاليم او ولايات عديدة , فقد كانت ايام الدولة الاخمينية مقسمة الى عشرين اقليماً ( ),وقسمت ايام الدولة الفرثية الى ثمانية عشر اقليماً( ). وقد استمر الساسانيون على النظام نفسه , وكانت هذه الاقاليم تتسع وتضيق وفقا للاوضاع السياسية للدولة ( ). واهم هذه الاقاليم :-
- اقليم مادي :
وسمي بهذا الاسم نسبة الى الميديين , وهم احدى القبائل الارية (الهند اوربية) التي سكنت هذا الاقليم( ), ويسميه الجغرافيون العرب باقليم الجبال ( ), ويبدو ان الطبيعة الجبلية الغالبة على سطح هذا الاقليم وراء هذه التسمية . ثم بطلت تسميته باقليم الجبال ايام الدولة السلجوقية (في المئة السادسة للهجرة-الثانية عشرة للميلاد) , وصار يعرف باسم (العراق العجمي)( ). ويحد هذا الاقليم من الشرق مفازة يزد , وحده الغربي اقليم اذربيجان , ومن الشمال بلاد الديلم وقزوين( ), ومن الجنوب اقليم فارس( ). ولما برز شأن الاكراد في العصور الاسلامية المتاخرة سمي القسم الغربي من اقليم مادي بـ(كردستان)( ). ويقع ضمن هذا الاقليم مدن كبيرة اهمها اكبتانا(همذان)عاصمة الدولة الميدية,التي تقع شرقي جبال زاكروس( ), ومدينة كرمنشاه وقد عرفها العرب باسم قرمسين( ),وعلى سفح احد جبالها نقش الاخمينيون والساسانيون منحوتاهم وصورهم في النقش المسمى (بهستون)( ), ثم مدينة قاشان , و نهاوند, والدينور ( ), ويخرج من جبال اقليم مادي مجموعة من الانهار اهمها نهر الكارون الذي يصب في راس الخليج العربي ( ), ونهر (قزل اوزال) الذي يصب مياهه في بحر قزوين , وبسبب وفرة المياه في هذا الاقليم فقد كثرت فيه الاشجار المثمرة والبساتين , وانتشرت فيه المراعي الواسعة . لذلك فان الغالب على اهل هذا الاقليم اقتناء الاغنام وعلى اطعمتهم الالبان وما يكون منها( ).
- اقليم الاحواز:
ويسميه الفرس خوزستان ( ), وهو يقع الى الجنوب من اقليم مادي (اقليم الجبال) , ويشغل الجزء الجنوبي الغربي من ايران , وهو امتداد طبيعي للسهل الجنوبي لبلاد وادي الرافدين ( ).
وقد قامت في هذا الاقليم احدى حضارات العالم القديم التي عرفت ببلاد عيلام وعاصمتها (سوسيانا) او (سوس) ( ), ويمتاز هذا الاقليم بمكانته الزراعية والتجارية وخصوبة اراضيه ومياهه الجارية ( ). فيذكر (الاصطخري) ( ) " وليس بجميع خوزستان جبال ولا رمال الا الشيء اليسير يتاخم نواحي تستر وجنديسابور ....." . واكبر انهار اقليم الاحواز نهر تستر ( ), الذي بنى عليه الملك الساساني سابور الاول (241-272م) السد المشهور بـ(شاذروان تستر) ( ), واهم مدن هذا الاقليم هي مدينة السوس على نهر الكرخة , وتستر , وجنديسابور , والاهواز ( ), ويذكر ان العرب قد سكنوا اقليم الاحواز منذ القرن السادس قبل الميلاد تقريبا ( ).
- اقليم فارس :
وسمي هذا الاقليم باسم (فارس) نسبة الى احدى القبائل الهند اوربية التي استوطنت الجزء الجنوبي الغربي من ايران منذ الالف الاول قبل الميلاد . وكان هذا الاقليم موطن السلالة الاخمينية , ثم شهد قيام الدولة الساسانية , وقد عرف عند اليونان باسم برسيس (parsis) ( ), وعند الاشوريين باسم بارسوا (parsua)( ), ويقع اقليم فارس الى الشرق من اقليم الاحواز , وهو يشرف على الساحل الشرقي للخليج العربي , وتغلب على اقسامه المناطق الجبلية ( ), ولاسيما الشمالية منها( ) ومنها سلسلة جبال مكران التي تحاذي الخليج العربي , وتتخلل هذه الجبال ممرات طبيعية قامت عندها موانئ رئيسة اهمها ميناء بندر عباس عند مضيق هرمز ( )، وتعد بحيرة (بختكان) من ابرز العوارض الطبيعية في اقليم فارس ( ).
وقد ورث العرب عن الساسانيين تقسيم هذا الاقليم الى خمس مدن كبيرة هي :-
مدينة اصطخر , التي احتلت مكانة متميزة فهي وريثة (برسيبوليس) الاخمينية ( ), وقامت فيها السلالة التي انحدر منها الساسانيون الذين تركوا نصبهم واثارهم في حدود هذه المدينة, وهي اقدم مدن فارس واشهــرها ( ) , وتلي مدينة اصطخر في الكبر مدينة اردشير خره( ), التي بناها الملك الساسانـي اردشير الاول (224-241م) وتليها مدينة دارابجرد( ), وبعدها مدينة ارجان( ), ثم مدينة سابور( ) وقد وصف (المقدسي)( ) هذا الاقليم بقوله "ففارس اقليم جليل كثير الخيرات ومعدن التجارات".
- اقليم مكران :
ويحد هذا الاقليم من جهته الشرقية بلاد الهند ويتصل بوادي (الاندس) الذي يسمى قسما منه باسم (سجستان) من خلال المرتفعات المشرفة عليه ( ), التي تجري منها انهار قصيرة الى داخل الاقليم ساعدت على قيام الزراعة حول مجاريها( ). ولقلة النشاط السياسي والتجاري لهذا الاقليم لم يحض باهتمام البلدانيين العرب ( ), واهم مدن اقليم مكران , مدينة بنجبور او (فنزبور) , وهي قصبة الاقليم , ومدينتي بمبور , وخواش ( ).
- اقليم سيستان :
ويسمي العرب هذا الاقليم باسم سجستان , وهذه التسمية مشتقة من الاسم الفارسي (سكستان) ، ويقال له ايضا بالفارسية (نيمرود) ومعناها الارض الجنوبية , لوقوعه جنوب اقليم خراسان ( )، ويقع اقليم سجستان شمال اقليم كرمان الذي يتصل به من خلال معبر ضيق يمر بهضبة ايران من جهة كرمان( ), وتقع الى الغرب من سجستان بحيرة (زره) الواسعة( ), حيث يصب فيها نهر هلمن (هند مند) وبقية الانهار المنحدرة من جبال افغانستان( )، وقد ذكر (ابن حوقل)( ) ، هذا الاقليم بقوله : "سجستان خصبة كثيرة الطعام والتمور والاعناب" . وقد كان حاكم هذا الاقليم ايام الدولة الساسانية احد أبناء الاسرة الحاكمة ويلقب بـ(سكستان شاه)( )، وجميع مدن الاقليم عامرة واهمها , زرنج وكانت ايام الساسانيين مدينة كبيرة وهي مركز الاقليم ثم مدينة بست , وروذان , وكش , وكركويه ( ).
- اقليم كرمان :
ويحد هذا الاقليم من الشرق اقليم مكران , ومن الغرب اقليم فارس , ومن الشمال اقليم خراسان واجزاء من سجستان , ومن الجنوب الخليج العربي( ) ، وهو اقل اقاليم ايران خصوبة ويعود ذلك لخلوه (تقريبا) من الانهار( )، وتشكل صحراء (دشت لوط) التي تغطي الاملاح مساحة واسعة منها , الجزء الاكبر من هذا الاقليم, وتتخلل هذه الصحراء بعض الواحات التي اعتمدت على مياه الابار , حيث شكلت هذه الواحات مواضع يعتمدها الانسان في عبور المفازات الصحراوية( ) , وهنالك اشارات تذكر ان قبائل عربية استقرت في منطقة كرمان قبل الاسلام ومن هذه القبائل بكر بن وائل وعبد القيس( ) , وقد كان اقليم كرمان ضمن الاقاليم التي خضعت لحكم اردشير الاول (226-241م) عندما كان يحكم في مدينة
الرئيسية 
البوابة 
