بالاسرة الاخمينية ( ). الا انه يمكن القول ان التفاخر بالاحساب والانساب كان احد الصفات الطاغية على المجتمعات القديمة ، ولهذا فقد كان الناس يحتفظون بشجرة انسابهم من جيل الى جيل ، ولنا في احتفاظ العرب قبل الاسلام باحسابهم وانسابهم خير دليل على ذلك ، وعليه يمكن الافتراض ان تكون الاسرة الساسانية قد احتفظت بنسبها الذي يربطها بالاسرة الاخمينية طيلة المدة التي انزوت فيها عن المسرح السياسي لايران ، لاسيما ان العائلة الساسانية هي من العوائل الدينية المعروفة في بلاد فارس بل ان جدهم ساسان كان القيم الاعظم في بيت نار مدينة اصطخر، وبكل تأكيد كانوا يحتفظون بالوثائق القديمة ، اذ كانت المعابد في العهد القديم تكاد تكون شبيهة بدور الوثائق في الوقت الحاضر . وربما انهم قبل تولي السلطة انتسبوا الى السلالة الاخمينية حقيقةً او كذباً ، وبقيت مثبتة ، يضاف الى ذلك ان الاخمينيين والساسانيين هم من اصل جغرافي واحد ، حيث مركزهم الرئيس ارض اقليم فارس ، ثم ان الكثير من الصفات التي امتازت بها الدولة الاخمينية من حيث طريقة الحكم ، والتصرف مع الرعية تشبه الكثير من ممارسات الساسانيين بعد توليهم الحكم ، ومنها نظام الحكم المركزي ، ومن هذا لا يستبعد ان الساسانيين قد تشبهوا باجدادهم الاخمينيين ، ويبقى كل ذلك افتراضات لحين العثور على وثائق تثبت ذلك، لكن الثابت لدينا ان الساسانيين قد تمسكوا بانتسابهم للاسرة الاخمينية .
ج. تأسيس الدولة:
ولد اردشير بن بابك بن ساسان( ) في احدى قرى مدينة اصطخر تدعى طيرودة ( )، في حدود سنة 180م ( ). وكان جده ساسان قد تزوج من احدى اميرات الاسرة الحاكمة لمدينة اصطخر ، وهي الاسرة المعروفة باسرة البازرنجين ( ). وكانت اصطخر اهم مدن اقليم فارس واكبرها ، وكان حكامها يتمتعون بنوع من الاستقلال ويلقبون بلقب ملك (شاه) ( ). ومن معالم استقلالهم انهم ضربوا العملة باسمهم وباسم اسرهم ( ).
عُين ساسان قيماً على بيت نار اناهيذ في اصطخر ، وبعد وفاته حلّ محلّه ابنه بابك، وقد استثمر بابك صلته بالبيت الحاكم فطلب من ملك اصطخر المسمى (جزهر) ( )، ان يعين ابنه اردشير مساعداً لـ (تيري) القائد العسكري (الاركبذ) ( ) بمدينة دارابجرد احدى مدن اقليم فارس ، فاجابه الى ذلك ( ). فاستقدمه الى دارابجرد ورفع منزلته على صغر سنه،وكان كلما غاب عن الولاية يقيمهُ نائباً عنه ( ). وبعد وفاة القائد العسكري (تيري) تقلد اردشير هذا المنصب واصبح قائداً لمدينة دارابجرد ( )، وهكذا تهيأت الفرصة لاردشير بالانتقال الى العمل العسكري والسياسي مخالفاً بذلك عمل ابائه في كهانة بيت النار والعمل الديني ، ومن هنا بدأت طموحاته باعادة امجاد اسلافه الاخمينيين ، وبعدها عمل اردشير على توسيع دائرة نفوذه خارج مدينة دارابجرد ، فتمكن من بسط سيطرته على مناطق (جوبانان ، وكونس ، ولروير) بعد ان قتل ملوكها ( )، ثم تمكن ابوه (بابك) من دخول مدينة اصطخر وقتل ملكها (جزهر) ونصب نفسه حاكماً عليها ( ). فضرب اردشير المسكوكات وكانت تحمل على احد وجهيها صورة ابيه بابك ( )، ويبدو ان بابك خشي من تنامي نفوذ ولده اردشير ، فكتب الى الملك الفرثي اردوان الخامس (209-224م) يطلب منه الاذن في تتويج ابنه سابور ملكاً على اصطخر ، فرفض اردوان ذلك معتبر ما قام به بابك وابنه اردشير خروجاً على حكم الدولة( )، ويبدو ان السبب في رفض الملك اردوان تتويج سابور هو وقوف بابك الى جانب (ولجش الخامس) اخو اردوان في الصراع الذي دار بين الاخوين على العرش سنة (208 – 209م) ( ).
لقد ازدادت طموحات اردشير بتولي السلطة بعد وفاة ابيه ، فقد نشب الصراع بينه وبين اخيه سابور الذي اعلن نفسه ملكاً بعد ابيه ، ولكن سابور توفي فجأة بسقوط بناء متهدم عليه كان قد اتخذه مقراً لقيادته وهو يسير الى مدينة دارابجرد لقتال اخيه اردشير ( ). وبهذا اصبحت الظروف مهيئة لاردشير لتحقيق طموحاته ، وقبل ان يبدأ بحروبه التوسعية قام بقتل جميع اخوته بعد ان توجوه بالتاج ، ليأمن غدرهم او طمعهم في السلطة ( )، وربما قام بهذا العمل لوقوفهم الى جانب اخيه سابور .
وفي غمرة هذه الاحداث لم ينس اردشير التنظيم الاداري لامارته فعين شخصاً يدعى (ابرسام) وزيراً ومستشاراً له ، وفوضه صلاحيات واسعة ( ). وبعد ان استتبت له الامور في اقليم فارس توجهت انظاره نحو الاقاليم المجاورة ، فبدأ بغزو اقليم كرمان المجاور وتمكن من اسر ملكه المسمى (ولجش) والاستيلاء على الاقليم وعين ابناً له يدعى (اردشير) ايضاً حاكماً عليه ( ). ويذكر ان العرب كانوا قد سكنوا هذا الاقليم والسواحل الجنوبية من ايران ، اذ وجدوا في انشغال الدولة الفرثية بالمنازعات الداخلية ، فرصة ملائمة لهم فبسطوا سلطانهم عليها ( ). ثم توجه بعد كرمان الى سواحل الخليج العربي فتمكن من اخضاعها للسلطة بعد قتل ملكها المسمى (ابتنبود) ( ).
ثم توجه اردشير نحو مدينة (اردشيرخرة) فكتب الى ملكها (مهرك) يطلب منه الدخول في طاعته ، الا ان (مهرك) رفض ذلك ، فسار اليه اردشير وقتله ، ثم قام ببناء قصر وبيت نار فيها ( ).
وصلت اخبار حروب اردشير وانتصاراته الى الملك الفرثي اردوان الخامس فبعث اليه كتاباً جاء فيه :
" انك عدوت طورك ، واجتلبت حتفك ، ايها الكردي المربى في خيام الاكراد ، من اذن لك بالتاج الذي لبسته والبلاد التي احتويت عليها ... " ( ).
ثم بعث الملك الفرثي اردوان الى ملك الاحواز بالخروج لقتال اردشير الذي كان متجها الى اصفهان( ) , لغرض فرض سيطرته عليها , فتمكن من قتل ملكها ( شادشابور) , ثم عاد لقتال ملك الاحواز المسمى ( نيروفر) فانتصر عليه في معركة حاسمة واستولى على ولايته( ) .
بعدها توجه اردشير الى مملكة ميسان عند مصب نهر دجلة في الخليج العربي , وكان يحكمها العرب الموالون للفرثيين فتمكن من ضمها الى سلطته( ) , وامام تلك الانتصارات التي حققها اردشير والتي تمثل تحديا لسلطة الملك الفرثي الذي وجد نفسه مضطرا لمواجهة اردشير بنفسه , وبعد مراسلات بين الطرفين تم الاتفاق على ان يكون لقاء الجيشين في ( مهرماه)( ),في صحراء هرمزدجان( ).
وقد ظهرت كفاءات اردشير العسكرية عندما اتجه الى مكان المعركة قبل الموعد المحدد واحتوى على عين ماء كانت هناك وخندق على جنده( ) , وهيا جيشه للمعركة الفاصلة, ثم اقبل الجيش الفرثي يقوده اردوان الخامس , فدارت المعركة بين الطرفين عام 224م( ) , وانتهت بهزيمة كبيرة لجيش اردوان ومقتله على يد اردشير( ) , وبعد هذا الانتصار نصب اردشير نفسه ملكا للملوك (شاهنشاه)( ).
وقد خلد هذا الانتصار على احد الصخور ( نقش رستم ) قرب مدينة برسيبوليس , ويظهر فيه اردشير وهو يتسلم مقاليد الحكم من الالهة , ويطا بقدمه الملك اردوان( ). وهكذا كانت هذه المعركة نقطة تحول في تاريخ ايران , انهت عهد الانقسام , وقيام دولة جديدة سميت الدولة الساسانية( ). ويبدو ان اردشير كان مصمما على اخضاع كافة الاقاليم التي كانت تابعة للدولة الفرثية لسيطرته , اذ لم تكن المناطق التي اخضعها كافية في نظره لاقامة دولة كبيرة متماسكة( )، لذلك سار الى همذان ففتحها , ثم واصل زحفه شمالا الى اذربيجان , ثم الى الموصل والاقسام الجنوبية من بلاد الرافدين ثم عاد الى اصطخر( ), بعدها سار الى الاقاليم الجنوبية والشرقية لايران فتمكن من فتح سجستان وخراسان ومرو , وخوارزم , بعدها عاد الى مسقط راسه في اقليم فارس( ).
وقد استخدم اردشير استراتيجية جديدة في حروبه مع ملوك الطوائف , فقد كلف الموبذان موبذتنسر( ) , بارسال الرسائل الى الملوك المحليين يدعوهم فيها للدخول في طاعة اردشير , مستخدما اسلوب الترغيب والترهيب( ) , فقد اوضح لهم في كتبه ان كل من يعلن منهم طاعته وخضوعه للسلطة المركزية لا يسقط عنه لقب الملك , ويحتفظ بمنصبه , ومن يرفض ينحى عن منصبه وتتحرك الجيوش لاخضاعه( ).
وهكذا اعلن الكثير من حكام الاقاليم خضوعهم وولاءهم لادرشير , وكان اولهم ملك كرمان الذي اعيد له التاج , وبعده ملوك بلوجستان ومكران , وتوران( ) , وكوشان( ).
ثم توجه اردشير الى البحرين( ) , فدخلها بعد ان فشل ملكها بالدفاع عنها , فالقى بنفسه من سور المدينة , ثم ابتنى اردشير فيها مدينة سماها فنياذ اردشير( ). بعدها عاد الى العاصمة طيسفون وجلس على العرش في حدود سنة 226م( ), وهكذا اصبحت كل اقاليم ايران واقسام كبيرة من بلاد وادي الرافدين تحت حكمه .
الا ان طموحاته كانت تتجه نحو توسيع رقعة الدولة واعادتها الى ماكانت عليه ايام الاخمنيين, فتوجه جنوبا فتمكن من الاستيلاء على البنجاب, ووصل الى حدود الهند حيث قدم ملكها الهدايا والجواهر والذهب بصفتها جزية لاردشير( ).
ثم عقد العزم على محاربة الروم , فتمكن من الاستيلاء على نصيبين , وحران , ثم توجه الى ارمينيا التي صارت معقلا لمعارضي اردشير , فقتل ملكها خسرو واستولى عليها( ), الا ان محاولته لفتح مدينة الحضر سنة 228م لم يكتب لها النجاح لمناعة حصونها( ).
ثم وضع اردشير اسس دولة عربية في منطقة الحيرة , عند منعطف نهر الفرات نحو نهر دجلة ( جنوبي مدينة الكوفة ) كان الهدف منها حماية الحدود الغربية للدولة الساسانية المحاذية للروم , وتحافظ على منطقة مابين النهرين من هجمات عرب الجزيرة( ), وكان حكام الحيرة يتمتعون بنوع من الاستقلال ويلقبون بلقب ملك( ).
دامت حروب اردشير وفتوحاته مايقارب الاثني عشر سنة( ) , تمكن خلالها ان يؤسس دولة مترامية الاطراف , ضمت تحت نفوذها اضافة الى اقاليم ايران , افغانستان , وبلوجستان , حتى حدود الهند جنوبا والى حدود نهر جيحون شرقا , واصبح نهر الفرات حدها الغربي( ).
وهكذا استطاع اردشير وبسعيه الحثيث ان يبني دولة قوية مركزية , على اطلال الدولة الفرثية , قامت على قدم المساواة مع الامبراطورية الرومانية( ).
وقد تزوج اردشير من احدى بنات الاسرة الفرثية , وعلى الرغم مما رافق هذا الزواج من روايات , فالظاهر ان القصد منه كان اضفاء شرعية الملك على اسرته( ).
ويبدو ان المصادر التاريخية اختلفت في تاريخ تتويج اردشير فمنها من ذكر ذلك في سنة 224م( ) , ومنها من ذكره سنة 226م( ), والواضح ان معركة هرمزدجان قد وقعت سنة 224م , وبعد هذه المعركة لقب اردشير ملكا للملوك , الا ان هذا التتويج لم يحمل الطابع الرسمي , فمن المعروف ان تتويج الملوك يتم وفق مراسيم رسمية يشرف عليها كبار رجال الدين , وبحضور رجال الدولة وعظمائها( ).
ولهذا فربما كان تتويج اردشير ملكا للملوك بشكل رسمي بعد ان اكمل سيطرته على كافة اقاليم الدولة, والتي استغرقت مايقارب السنتين , أي في سنة 226م , حيث تشير الروايات الى ان مراسيم تتويج اردشير جرت في بيت نار مدينة اصطخر مسقط راسه , حيث كان جده ساسان كاهنا لبيت النار فيها( )¬¬ , وعليه فربما يكون هذا التاريخ هو التاريخ الرسمي لتتويج اردشير.
وعلى الرغم من المكانه الكبيرة لاقليم فارس , وعاصمته اصطخر في نفوس الملوك الساسانيين الا ان التطورات السياسية الجديدة , دفعت بهم الى اختيار عاصمة جديدة لهم خارج الاراضي الايرانية , فاختاروا مدينة طيسفون ( المدائن) لتكون العاصمة السياسية والادارية للدولة( )، بينما بقيت مدينة اصطخر العاصمة الدينية لهم( ) , ويبدو ان اختيار مدينة طيسفون , قد املته ظروف عديدة منها اهمية موقع العراق , وخصوبة ارضه وكثرة غلاته , ومجاورته لمنطقة نفوذ الروم , الاعداء التقليديون للفرس( ).
د- طبيعة نظام الحكم:
بعد ان اصبحت مقاليد الامور بيد اردشير اتجه الى الاصلاحات الداخلية واعادة تنظيم الدولة , فاليه ترجع جل تنظيمات الدولة الساسانية , ونظام الحكم فيها , على الرغم من بعض التغيرات التي حدثت في عهود الملوك الذين اعقبوه( ).
فهو " الذي اكمل ايين الملوك واحكم السير وتفقد صغير الامر وكبيره , حتى وضع كل شيء من ذلك موضعه "( ) , فعلى الرغم من ان النظام الاداري للدولة الساسانية لم يكن خلقا جديدا , اذ ان النظم الادارية والقاب الموظفين الاصطلاحية كانت موروثة عن الفرثيين بوجه عام( ) , الا ان اردشير قد اعاد تنظيم الدولة وبناء مؤسساتها الادارية وفقا لرؤيته , فقد شهد البناء السياسي اول مظاهر التغيير التي رافقت قيام الدولة , متمثلا بظهور لقب (الشاهنشاه) أي ملك الملوك( ) , وجعل هذا اللقب محصور في الاسرة الساسانية( ).
كان النظام الذي شاده اردشير , نظاميا ملكيا اقطاعيا , لايختلف كثيرا عن انظمة الدول الايرانية القديمة , مع الاخذ بنظر الاعتبار التغييرات والتطورات التي حدثت في التنظيم الاداري للدولة الساسانية( ).
فمن اجل ترسيخ الادارة المركزية عمل اردشير على اجراء تعديل على النظام الوراثي الذي كان متبعا في حكم الاقاليم ايام الدولة الفرثية المتمثل بالنظام اللامركزي ( أي الفدرالي) فلم يعد هذا النظام معمولا به الا في الثغور ( اطراف الدولة) , والامارات التي تخضع للدولة الساسانية مثل الحيره , فالحكم فيها وراثيا( ).
ويبدو ان الغرض من هذا الاجراء هو الحد من سلطات وصلاحيات ونفوذ حكام الولايات ولضمان استمرار ولاء حكام الثغور والامارات للسلطة المركزية لانهم يتولون مهمة حماية حدود الدولة وقربهم من الاعداء من جهة اخرى .
وبهذا وضع اردشير اسس الوحدة السياسية للدولة , فاصبح حكام الاقاليم منذ ذلك الوقت تابعين تبعية كاملة للشاهنشاه , فانهى النظام اللامركزي (الفدرالي) , واسس نظام الوحدة المركزية( ).
وقد احاط الملوك الساسانيون ابتداء من اردشير , سلطاتهم بقدسية مستمدة من اعتقادهم بالحق الالهي لهم بالملك, فقد ضمنوا خطبهم, واحاديثهم, واثارهم, التي خلفوها بانهم مكلفون بالملك من قبل الاله , وان سلطاتهم مستمدة منه , وانهم خلفاؤه في الارض وعلى الرعية حسن الطاعة( ) , فيقول اردشير:
" انزل الاله الرحمة وجمع الكلمة , واتم النعمة, واستخلفني على عباده, وبلاده, لاتدارك امر الدين والملك...( ).
ويقول كسرى انوشروان (531-579م):
" ان الله تبارك وتعالى انما خلق الملوك لتنفيذ مشيئته في خلقه , ولاقامة مصالحهم وحراستهم فلذك نقول انهم خلفاء الله في ارضه ..."( ).
ولترسيخ نظرية التقديس الالهي التي تأطر بها ملوك ال ساسان فقد قاموا بتصوير ذلك في منحوتاتهم التي خلفوها على الصخور في نقش رستم والتي يظهر في احدها الملك اردشير وهو يستلم مقاليد الحكم من الاله (اهورامزدا)( ).
وهكذا فإن الرعية مأمورة محكوم عليها خاضعة لملوكها ومكفية بهم لا بأنفسها, ومن هذا ياتي قول (الجاحظ)( ):
" ان الاكاسرة كانوا لايعدون الناس الا عبيدا , وانفسهم الا اربابا".
وان الله خصهم بالرعاية دون غيرهم( ) , ولهذا كانوا دائما يطلقون على انفسهم مزدايسن اي (عباد مزده), او ابن الاله (يزدان)( ), وتؤكد اقاصيص الشاهنامه اعتقاد الايرانيين الراسخ في عدم قيام دولتهم وصلاح امرهم بغير الالتفاف حول الملك واستنكارهم الخروج على طاعة الملوك الشرعيين , وتوقعهم سوء المصير للخارج عليهم( ).
ويبدو ان الهدف من وراء ذلك هو منع الرعية من التجاوز والتفكير في الحصول على الملك , الذي يعد حقاً مُنِحَ للعائلة الساسانية دون غيرها, ومن يتطاول عليه ينفذ فيه قول زرادشت:
" من عصا الله وخرج على مالك رقه وسلطانه , فعظوه سنة فان استمر على عصيانـه ففرقوا بين راسه وجثمانه "( ).
وعليه فان كل من يخرج عن طاعة المَلك او يدعي المُلك من غير نسل ال ساسان يعد غاصبا وغير محق في دعواه , وخارجاً عن الدين( ), ويؤكد هذا ما قالتـه اخت بهرام جوبيـن وزوجته وهي تبكيه ساعة احتضاره:
"كم نصحتك وقلت : لاتحم حول الجفاء ولاتقلع دومة الوفاء فان الساسانية لو لم يبق منهم سوى بنت واحدة كانت هي المعتصبة بالتاج"( ).
وهكذا فقد امن الملوك غدر الرعية وانحصرت مخاوفهم في ابنائهم واقاربهم ولعل قيام اردشير الاول( ) , وكسرى انوشروان بقتل اخوتهم دليل على ذلك( ).
ولم يكن تغيير الاسرة الحاكمة حدثا سياسيا فحسب بل امتاز بظهور روح جديدة في الدولة الساسانية , ابرز مايميزها تنظيمها الاداري ووحدة الاقاليم السياسية واتخاذها ديناً رسمياً للدولة( ) , فقد ادرك اردشير ( وهو ابن لعائلة دينية) , ان الدين الذي تتبعه الدول ومدى تغلغله في طبقات المجتمع , من اهم العوامل المؤثرة على تماسك الدولة ووحدتها( ).
لهذا اتجه اردشير الى توحيد الدولة عقائديا بعد ان اكمل توحيدها سياسيا , فكان الدين بعد امر الدولة , اكبر شيء استأثر باهتمامه( ) , فبعد ان كانت سياسة التسامح الديني للدولة الفرثية , وعدم اتخاذها دينا رسميا احد اسباب الانقسام والضعف , عمل اردشير على احياء ديانة اسلافه الاخمنيين باتخاذه الزرادشتية دينا رسميا للدولة( ).