البطاقة التعريفية
تلعـفر مدينة عراقية عريقة موغلة في التأريخ، تعتز بانتمائها الأصيل ومواقف أبنائها
الوطنية المعروفة والمشهود لها عبر التأريخ.. تقع إلى شمال غرب مدينة الموصل على بُعد 69 كم،
وتبعد عن قضاء سنجار 55 كم، والمعروف عنها أنها مدينة قديمة يرجع تأريخها إلى عهودٍ سحيقة في
القِدم.. تطورت المدينة بمرور السنوات ولكنها لم ترتقِ إلى المستوى الذي يليق بها وبمكانتها التي
تشكل جانباً مهماً في تأريخ العراق الحديث بما قدمته عبر مسيرتها، والآثار والمواقع التاريخية التي
تحتضنها..
حدودها الإدارية: نهر دجلة يفصل بينها وبين مدينة دهوك شمالاً، ومن الشرق مدينة الموصل، وسنجار
غرباً، أما جنوباً فتتصل بمدينة الحضر الأثرية وجزء من أراضي الجمهورية العربية السورية..
تلعـفر ـ اليوم ـ إحدى المدن المهمة في العراق وهي الآن مركز قضاء كبير من أقضية محافظة نينوى
حيث يضم أكثر من 30 حياً سكنياً، منها انطلقت ثورة العشرين 1920م لتعم شرارتها جميع مدن
العراق، كما أنها غنية بالآثار والمواقع التاريخية إلا أنها اشتهرت بقلعتها الأثرية المعروفة
(قلعة تلعـفر).
.
أما ثورة تلعـفر عام 1920م التي كانت أول ثورة حقيقية في تأريخ العراق المعاصر فقد تبارت
الأقلام الشريفة بالكتابة عنها أو الإشارة إليها أثناء كتابتها عن الثورة العراقية الكبرى
التي زلزلت الأرض تحت أقدام المحتلين الإنكليز، باعتبار أن ثورة تلعـفر ـ وكما يؤكد المؤرخون
والكُتاب ـ واحدة من المقدمات المهمة للثورة الكبرى لأنها جسدت إرادة العراقيين في مناهضة
الاحتلال الإنكليزي..
مدينة الأسماء:
يرى أغلب المؤرخين أن (تلعـفر) كلمة مركبة من: ( تل) و (عفر) وهي تعني ( تل التراب)..ويرى
البعض أن (تلعـفر) كلمة مركبة من (تلاد عبرا) الآرامية التي تعني (تل التراب) نسبةً للونه،
وقال البعض أن أصل الكلمة ( تل عفراء) وتعني ( تل الغزلان) لكثرة الغزلان التي كانت تتردد
على ماء عينها في أسفل الوادي الذي تشرف عليه القلعة..ويرى المؤرخ الإنكليزي لايارد (1817-1894م)
أن تلاسار وتلسار يمكن تعيين موضعهما بتلعـفر، وتلاسار ذكرت في التوراة مرتين..
وذكر المؤرخون تلعـفر بأسماء عديدة منها: تل عفرة، تل أعفر، تل يعفر، تل يعفور، تل الاعفر،
تل عفر، تل عفراء، تل بأعفر، تليعفر، يعفر، تل عثا، تل عشا، تل عبرة، نمت عشتار، قلعة مروان..
تلعـفر عبر العصور:
يُرقى تأريخ تلعـفر إلى عهودٍ سحيقة في القِدم فقد نشأت في العصر الحجري الوسيط أو الحديث من
عصور ما قبل التأريخ في مدى ست آلاف سنة قبل الميلاد، وهي إحدى المستوطنات التي استمرت فيها
السكنى حتى هذا اليوم، وفي حوالي الألف الثاني قبل الميلاد أصبحت مع سنجار جزءاً من الدولة
الميتانية، وكانت مراكز الاستيطان الضيقة تجاورهما فنشطت الزراعة فيها وبنيت الأبراج
والقلاع.. وازدادت أهميتها في فترة الألف الأول قبل الميلاد وذلك في عصر الملك الآشوري تكلابلاصر
الثالث (741-725 ق.م) وفي هذا العهد نمت وتوسعت المدينة وبُنيت قلعتها الأثرية وعُرفت المدينة
باسم (نمت عشتار) وتعني (مزرعة الآلهة عشتار) أو (جنة الآلهة عشتار).. وكان الآشوريون يعنون
بتلعـفر عناية كبيرة كونها تمثل موقعاً مهماً على طريقين: عسكري وتجاري يربطان العراق بكلٍ من
سوريا وإيران، أي أنها صلة وصل بين الشرق والغرب..
وبعد سقوط نينوى وزوال الدولة الآشورية عام 612 ق.م كانت تلعـفر والجزيرة مسرحاً للحروب
الطويلة التي جرت بين الحيثيين والرومان، ثم تعاقبت على تلعـفر سيطرة حكام من الكلدانيين
والفرس الاخمينيين والساسانيين، ودامت صراعات طويلة بين الرومان والبيزنطينيين والفرس
الساسانيين بالسيطرة على المنطقة ومن ضمنها تلعفر.. وفتحت تلعـفر سنة 18 هـ / 639م وكانت
تحت السيطرة البيزنطينية إثر حملةٍ عسكرية قادها القائد العربي عياض بن غنم الفهري لفتح
منطقة الجزيرة الفراتية ففتحت تلعـفر على يد الوليد بن عتبة الأموي.. وفي العهد الأموي
(40- 132 هـ / 660- 749 م) أصبحت تلعـفر موطناً للخوارج ومسرحاً للحروب التي جرت بينهم وبين
الأمويين.. وقد قام آخر خلفاء الدولة الأموية مروان بن محمد الثاني بتجديد بناء القلعة
فسميت بـ(قلعة مروان)..وفي العهد العباسي (132- 293 هـ / 749- 905 م) توسعت تلعـفر
وازداد سكانها وازدهرت الزراعة في منطقتها وعندما انفصل الحمدانيون عن العباسيين أصبحت
تلعـفر جزءاً من دولتهم وقد التجأ إليها بعض أمرائهم في حربهم مع العباسيين، ثم تبعت
العقيليين ومن بعدهم السلاجقة.. وأصبحت تلعـفر من المدن التجارية المهمة في العصور الوسطى
وأشبه بهمزة الوصل بين الدولتين الإسلامية والبيزنطينية.. وبعد سقوط بغداد بيد هولاكو سقطت هي
أيضاً مع الموصل على يد القائد سمداغو سنة 660 هـ / 1261 م وأصبحت جزءاً من الدولة
الايلخانية (المغولية) فساءت أحوالها وتدهورت زراعتها وتقلص سكانها تدريجياً كما حدث لسائر المدن العراقية..
ووجدت جماعات التركمان فيها وفي بلاد الجزيرة في العصور العباسية الأخيرة كالسلاجقة والاتابكة
وغيرهم، ويعتقد البعض أن سكانها كانوا عرباً حتى هجوم التركمان في القرن الثامن الهجري حيث
توطنوا فيها وفي الأراضي المجاورة لها، وقد سقطت الدولة الايلخانية على يد الشيخ حسن الجلائري
فأصبحت تلعـفر تابعةً للدولة الجلائرية حتى ظهور تيمورلنك الذي اكتسح الشرق بجموعه ودخل
مدينة الموصل سنة 796 هـ / 1394 م ولم يُعلم بالضبط مروره من تلعـفر ولكن الطريق الذي سار
منه كان حتى فترة متأخرة يُعرف بطريق تيمور (تيمور يولي).. ثم خضعت تلعـفر لحكم الدولتين
التركمانيتين على التوالي : قره قوينلي " الخروف الأسود" وآق قوينلي " الخروف الأبيض "
(813- 905 هـ / 1410- 1499 م)، وذُكر أن جماعات صغيرة في تلعـفر اليوم ينتمون إلى هولاء
التركمان.. ثم أصبحت جزءاً من الدولة الصفوية بدءاً من عام 1504 م ولعدة سنوات..
ثم احتلها العثمانيون سنة 922 هـ / 1516 م وبعد الاحتلال العثماني للمنطقة خضعت تلعـفر شأنها
شأن غيرها للسيطرة العثمانية ودخلها السلطان مراد الربع سنة 1048 هـ / 1639 م ومن بقاياه
(همت دده) الذي ينتسب إليه أبناء عشيرة الهمات، و(حسن بك) الذي سُميت منطقة (حسنكوي) باسمه،
وقد ساءت أحوال تلعـفر كثيراً في العهد العثماني ولم يكن فيها حتى قبل مائتي سنة تقريباً من
يسكن خارج القلعة، وكان يحكمها موظف عثماني بعنوان (متسلم) مع بعض أفراد الجندرمة..
وبعد احتلال القوات الإنكليزية الغازية المدينة قامت سلطاتها بإنشاء بعض المباني الحكومية
لموظفيها في القلعة ومنها بناية دائرة الحاكم السياسي التي أصبحت فيما بعد دائرة
القائممقامية وبناية للدرك (الشرطة) وأخرى للمدرسة الابتدائية التي اتخذت في ذلك الوقت داراً
للحاكم السياسي كما قاموا بفتح مستوصف واستحدثوا دائرة بريد وبرق وشيدوا صهريجاً شمالي
حسنكوي للاستفادة من مياه الأمطار وخزنها فيه لعدم استساغهم ماء تلعـفر المُر..
يُذكر انه عندما قامت ثورة مايس التحررية عام 1941م باركها الاعافرة وأرسلوا وفداً الى بغداد
لإبداء شعورهم الوطني للقائمين بها إلا أن الإنكليز قضوا على الثورة واحتلوا البلاد طيلة أعوام
الحرب العالمية الثانية وبقي السكان رحمة حقد الإنكليز وأعوانهم طوال العهد الملكي وبقيت الزراعة متأخرة وأُهمل ارواء الأراضي الزراعية..
وفي التاريخ المعاصر قدم أبناء تلعـفر الكثير من الشباب الذين حصدتهم المعارك، ففي الحرب مع
إيران (1980-1988م) قدمت المدينة الكثير من الضحايا ولا يكاد يخلو بيت منها إلا وفيه قتيل أو
أسير أو مفقود، أما في العدوان على الكويت عام 1991م وما نتج عن ذلك من تخريب وتدمير فلم
تخلو تلعـفر ممن كانوا ضحايا تلك السياسات الخاطئة، واستمرت المدينة ككل مدن العراق تتحمل
ما تجنيه هذه السياسة حتى أزالت رأسها قوات التحالف التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية
بعد أن شنت هجوماً على العراق بدءاً من يوم 20-3-2003م ودخلت تلك القوات بغداد فعلياً يوم 8-4-2003م وأُعلنَ عن سقوط النظام بعد يوم واحد من هذا التاريخ، ثم توالت المدن واحدة بعد
أخرى تقع بيد القوات الأجنبية، وفي يوم 11-4-2003م تعرضت بعض دوائر تلعـفر إلى عمليات
السلب والنهب على أيدي بعض ضعاف النفوس فأخذت العشائر تحس بخطر هذه العمليات حتى أخذت بعض
هذه العشائر على عاتقها حماية بعض الدوائر، ثم عُقدت ندوة في مسجد الإمام الحكيم في تلعـفر نتج
عنها الاقتراح بتشكيل (مجلس شورى محلي) لحماية الممتلكات العامة في المدينة وتنظيم إدارتها، وفعلاً
شُكل هذا المجلس من شيوخ العشائر ورجال الدين واستطاع أن يقوم بدور ممتاز وكانت هناك ندوات جماهيرية عقدها المجلس في الجامع الكبير وكان يحضرها المئات من أبناء المدينة على اختلاف انتماءاتهم.. من الجدير بالذكر أن تلعـفر كانت أخر مدينة دخلتها القوات الأجنبية حيث وصلتها هذه القوات يوم 8-5-2003م وهذا يذكرنا بأن تلعـفر كانت أول مدينة عراقية تحررت من نير الاحتلال البريطاني..
وقد وقعت تلعـفر أسوة ببعض المدن الأخرى ضحية للعمليات الإرهابية بدءً من عام 2004م التي
استهدفت أبناءها حيث لقي أكثر من 1000 شخص مصرعه، فالبعض قتل بالرصاص وآخرون بالهاونات
وجماعة بالاغتيالات وأخرى ذبحاً وألقيت جثت الكثير منهم في الأزقة والشوارع..
تضم تلعـفر أكثر من 30 حياً سكنياً في 3 قطاعات.. ومن أشهر الأحياء السكنية: حي القلعة وحي
المعلمين وحي القادسية وحي سعد وحي السلام المعروف بـ(حي البواري) وحي الوحدة المعروف
بـ(قنبر درة) وحي المثنى المعروف بـ(حسنكوي) وحي النصر المعروف بـ(السراي)، وتتوزع هذه
الأحياء على 30 كم2 هو مساحة مركز المدينة، وتتبع المدينة 63 قرية ونواحي العياضية و ربيعة
وزمار ، وهناك 84 مؤسسة تربوية ومعهد إسلامي ويضم المركز مستشفى و10 مراكز صحية ومركز
للشباب ودار سينما ومركز انترنت انشأ مؤخراً ومكتباً للبريد وبدالة.. أما المساحة الكلية
لتلعـفر فتبلغ مليون و600 ألف دونم.. فيما تقدر مساحة مركز المدينة ومساحة مركز النواحي
التابعة لها (العياضية وزمار وربيعة) بـ 4453 كم2.. ومن الملاحظ أن تلعـفر اليوم تخلو من
الفنادق والحمامات الشعبية التي تنتشر بكثرة في مدينة الموصل على الرغم من أن المصادر
التاريخية تذكر انه كان في تلعـفر حمّام وُصف بأنه لطيف سنة 1325هـ / 1907م ويُعتقد أن موقع
هذا الحمّام كان في محلة حسنكوي على بُعد أمتار قليلة من عين ماء تلعـفر، وما تزال آثاره
موجودة حتى اليوم..
ومن الجدير بالذكر انه كانت لمدينة تلعـفر أهمية كبيرة تعود إلى مواردها الزراعية الوفيرة بسبب
خصوبة الأراضي المحيطة بها وخصوصاً الأراضي السهلية التي تعرف باسم (الجزيرة) والتي تحتوي على
ملايين الدونمات وكلها تزرع بالحنطة والشعير، ونشوئها فوق رابية واتخاذها كحصن منيع تجاه غارات
الأعداء ووقوعها على طريق القوافل العام الذي يربط العراق بالشام إضافةً الى وفرة مياه عين
مائها.. وتقع تلعفر على ارتفاع 370 م عن مستوى سطح البحر، أما الموقع الفلكي والذي من
خلاله تحدد شخصية الإقليم الاقتصادية والسياسية والمناخية فتحظى تلعفر بموقع جغرافي جيد في هذا
الاتجاه فهي تقع على خط الطول (10-20-30-42 شرقاً) ودائرة العرض (10-22-36 شمالاً) لذا
فلتلعفر أهمية من النواحي الاقتصادية والاستراتيجية لأنها تربط العراق بالهلال الخصيب من جهة
وبتركيا من جهة أخرى ..