أنشطة الرسول وحمايته المستقبلية لخطّ الإمامة:
ركّز الرسول(صلى الله عليه وآله) في ذهن الاُ مّة أهمية دور الإمام علي(عليه السلام)وضرورة حماية خطّه ولزوم التمسك به الذي ينجي الاُ مّة ويحصنها من مزالق التيه والإنحراف ولهذا أشار(صلى الله عليه وآله)لعمار: ستكون في اُمتي بعدي هناة واختلاف، حتى يختلف السيف فيهم حتى يقتل بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض... يا عمار! من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدوّه; قلده الله يوم القيامة وشاحين من دُرّ ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّه; قلّده الله وشاحين من نار، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعني عليّاً. [61]
فقد أشار القرآن الكريم الى المحن التي تتعرض لها الاُ مّة بعد الرسول، حيث تؤدي الى تشقق الاُمّة واختلاف كلمتها مما تكون نتيجة ذلك دخول كثير من الطوائف المتناحرة في النار ولا تنجو إلاّ الفرقة التي تتولى الإمام علي(عليه السلام) وتتبع خطّه ، وبهذا يسجل الإمام أرقى قيمة في فضله على الباقين من المسلمين. فقد جاء في قوله تعالى:
( إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً) [62] قال زاذان أبو عمر: قال لي علي(عليه السلام): أبا عمر! أتدري على كم افترقت اليهود؟ قلت: الله ورسوله أعلم ، قال: افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلاّ واحدة هي الناجية.
أتدري على كم تفترق هذه الاُ مّة؟ قلت: الله ورسوله أعلم ، قال: تفترق الى ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلاّ واحدة هي الناجية.
أتدري على كم تفترق فيَّ ؟ قلت: وإنه لتفترق فيك؟ قال: نعم تفترق فيَّ اثنتي عشرة فرقة كلها في الهاوية إلاّ واحدة هي الناجية وأنت منهم يا أبا عمر [63] .
وآية: ( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [64] .
تؤكد كون الإمام هو المرجع بعد الرسول في حالة إلتباس الاُمور وطغيان المحن وعدم معرفة الصحيح من الاستفهامات الطارئة والمستجدات ، فقد جاء في تفسيرها عن جابر الجعفي قال: لما نزلت (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، قال علي(عليه السلام): نحن أهل الذكر [65] . وبهذا يكون عليّ الإمام للفرقة الناجية وهو المعلم لغيره من الصحابة ، مخافة الانخراط من غير علم ضمن الفرق الضالة.
عن أبي سعيد الخدري يقول: كنا جلوساً ننتظر رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه ، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها علي(عليه السلام) يخصفها، فمضى رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومضينا معه ثم قام ينتظره وقمنا معه ، فقال: إنّ منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال(صلى الله عليه وآله): لا ولكنه خاصف النعل، قال: فجئنا نبشّره ، قال في أحدهما وكأنه قد سمعه وقال في الآخر فلم يرفع به رأساً كأنه قد سمعه [66] .
وتمييزاً لخطّ الإمام عن غيره من الناحية المصداقية لتكون البيّنة آ كد ولا تبقى حجة بيد المناوئين للإمام ، فقد قال(صلى الله عليه وآله) لعمار الموالي لعلي والمناصر له : تقتلك الفئة الباغية.
عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد الخدري فاسمعا من حديثه، قال: فانطلقا فإذا هو في حائط له، فلمّا رآنا أخذ رداءه فجاءنا فقعد ، فأنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد، قال: كنّا نحمل لبنة لبنة وعمار ابن ياسر يحمل لبنتين لبنتين ، قال: فرآه رسول الله(صلى الله عليه وآله) فجعل ينفض التراب عنه ويقول: يا عمار ألا تحمل لبنة كما يحمل أصحابك؟ قال: إني اُريد الأجر من الله، قال: فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قال: فجعل عمار يقول: أعوذ بالرحمن من الفتن [67] .
ومن إشارات الرسول وتنبيهاته للحوادث المستقبلية، والتي تتضمن الكشف عن صفة الاندماج والاتحاد بين خطّ الإمام علي وخطّ الرسالة ، وكونه الامتداد الشرعي لها ، وتحقق في الوقت نفسه حصانة الاُمّة ووقايتها من ضرر شعارات الضلالة ودعوات الانحراف ، فقد حذّر(صلى الله عليه وآله)من خطورة حركة الخوارج التي تظهر فيما بعد ومناوأتها لعلي(عليه السلام)، بهذا التنبيه يمثل الإمام علي خط الإمامة والمجسِّد للقيم الإلهية . أما باقي الدعوات فتتهاوى نحو الحضيض والإنحراف.
فعن أبي سعيد الخدري قال: (بينما نحن عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو يقسّم قسماً أتاه ذو الخويصرة ـ وهو رجل من بني تميم ـ فقال: يا رسول الله إعدل ، فقال: ويلك ومن يعدل إذ لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله! أتأذن لي فيه فأضرب عنقه؟ قال: دعه فإن له اصحاباً يحقر صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ـ الى أن قال ـ آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدر دراً ويخرجون على خير فرقة من الناس. قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأشهد أن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فاُتي به حتى نظرت اليه على نعت النبي(صلى الله عليه وآله)الذي نعت به) [68] .
وجاء عن الرسول(صلى الله عليه وآله) روايات اُخرى تتجه نحو حماية الإمام علي(عليه السلام) وعلى نحو الاطلاق، أي تبيّن أفضلية الإمام علي(عليه السلام)على غيره، سواء من قد كان عاصره من المسلمين مع النبي(صلى الله عليه وآله) أو مَن يأتي مستقبلاً، وتوضح أيضاً أن سلوك الإمام ومواقفه لا تمثل حالة طارئة تنتزع عنه في ظرف آخر، وإنما تمسّك علي بالحق ، أو علاقة علي بالحق والحق بعلي علاقة إتحاد المفهوم بالمصداق.
فقد روي عن ثابت مولى أبي ذر قال: دخلت على اُم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر علياً(عليه السلام)وقالت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : عليٌّ مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة [69] .
وجاء أيضاً عن النبي من عدة طرق: إن علياً مني وأنا من علي، وهو وليُّ كل مؤمن بعدي، لا يؤدّي عني إلاّ أنا أو علي [70] .
________________________________________
[1] تاريخ دمشق لابن عساكر: 42/47.
[2] تاريخ دمشق لابن عساكر: 42/470.
[3] تذكرة الخواص: 40، المستدرك: 2/137، كنز العمال: 13/127، ح36403، شرح معاني الآثار: 2/408 مناقب ابن شهر آشوب: 2/44.
[4] رواه الزمخشري في كتابه المناقب: 213 مخطوط ، والشيخ جمال الدين الحنفي الموصلي في درر بحر المناقب: 116 مخطوط ، والحافظ محمد بن أبي الفوارس في الأربعين: 14 مخطوط ، وإحقاق الحق: 4/228 و 9/198 ، ورواه الشيخ سلميان في ينابيع المودّة: 82 ، والموثق الخوارزمي في مقتل الحسين: 59.
[5] مسند أحمد بن حنبل: 3/83 ، وبنفس المعنى في حلية الأولياء لأبي نعيم: 1/67 ، واُسد الغابة لابن الأثير: 3/283.
[6] مسند أحمد: 4/164 و 165 بخمسة طرق ، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: 19 و20 بطريقين ، وصحيح البخاري: 3/229 ، والصواعق المحرقة: 74، كنز العمّال، المتقي الهندي: 11/607، ح 32938، سنن الترمذي: 5/591، ح3712 .
[7] السنن الكبرى، النسائي: 3/265، ح 5329، وصحيح ابن حبان: 15/399، موارد الضمان، الهيثمي: 549، والمناقب لأبن شهر آشوب: 3/345 وتذكرة الخواص: 306.
[8] القول المسدد في مسند أحمد: 17، شرح نهج البلاغة: 9/173، كنز العمال: 11/598، ح 32877، و 618، ح 33004، فيض القدير: 1/120، مسند أحمد: 1/175 و 4/369، ومستدرك الحاكم: 3/4، 116 و 125، وخصائص النسائي: 13، وصحيح الترمذي: 2/301، والدر المنثور: 6/122، والصواعق المحرقة: 76 .
[9] اُسد الغابة، ابن الأثير: 4/29، ترجمة علي بن أبي طالب، تهذيب الكمال: 5/ 126، والرياض النضرة: 2/168، وكنز العمال: 13/140، ح 36440، والتاج الجامع للاُصول: 3/335، ومصابيح السنّة: 2/199، وذخائر العقبى: 92، واُسد الغابة: 3/317، وخصائص النسائي: 18.
[10] مروج الذهب: 2/61 ، وسنن الترمذي: 2/300 ، ومسند أحمد: 1/185 ، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: 116.
[11] تاريخ اليعقوبي: 2/111.
[12] منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل : 5/396.
[13] عبس: 31.
[14] الارشاد للشيخ المفيد : 1 / 200. تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) .
[15] الرياض النضرة في مناقب العشرة لأبي جعفر الطبري: 3/162.
[16] كنز العمال : 1/154 وذخائر العقبى : 82 وفيض القدير: 3/356 ومستدرك الحاكم: 1/457 والاستيعاب في هامش الاصابة: 3/39.
[17] الرياض النضرة للمحب الطبري: 3/189.
[18] مناقب الخوارزمي، موفق بن أحمد الحنفي: 98 تحقيق مالك المحمودي.
[19] كنز العمال: 3/100 وشرح الموطأ للزرقاني: 4/25 .
[20] سورة الأحقاف: 15.
[21] الدر المنثور : 6/40.
[22] كنز العمال: 5/829 ح 14505، عن موطأ مالك وسنن البيهقي.
[23] كنز العمال: 5/469 ح 13642، عن المعجم الكبير للطبراني.
[24] الاستيعاب لابن عبدالبر: 3/41 والرياض النضرة: 2/149.
[25] ينابيع المودّة: 70.
[26] مناقب الخوارزمي: 55 وفرائد السمطين: 1/366.
[27] المستدرك: 3/41 وأسنى المطالب للجزري: 14 ، والصواعق المحرقة لابن حجر: 76.
[28] كنز العمال: 5/156 و 401.
[29] الاستيعاب: 1/41 ، والرياض النضرة: 2/194.
[30] الرياض النضرة: 2/198 ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 115.
[31] مفتاح السعادة: 1/400.
[32] جمهرة خطب العرب: 1/202.
[33] فتح الباري لابن حجر: 8/136.
[34] الاستيعاب: 3/40 ، والرياض النضرة: 2/193 ، ومناقب الخوارزمي: 45 ، والصواعق: 76 وتاريخ الخلفاء: 115 .
[35] الاستيعاب: 3/40 ، والفتوحات الاسلامية: 2/337.
[36] الاستيعاب لابن عبدالبر في هامش الاصابة: 3/39 ، وصفة الصفوة لابن الجوزي: 1/121 والاصابة: 2/509 ، والرياض النضرة: 2/194 ، والصواعق لابن حجر: 76 وفيض القدير للمناوي: 4/357.
[37] الرياض النظرة: 2/194 ومطالب السؤول: 30.
[38] الرياض النضرة: 3/162.
[39] راجع كشف الغمة: 1/163.
[40] تفسير الثعالبي (مخطوط): 254.
[41] سورة الشورى: 23.
[42] الدر المنثور : 6/7، وتفسير الطبري : 25/14 و 15 ، ومستدرك الحاكم: 2/444، ومسند أحمد: 1/199، وينابيع المودة : 15 ، والصواعق المحرقة : 11 و 12 ، وذخائر العقبى : 25 .
[43] الصافات: 24.
[44] الصواعق المحرقة : 79 ،وشواهد التنزيل : 2/106 ، وكفاية الطالب: 247.
[45] سورة محمد: 30.
[46] الدر المنثور: 6/66 ، وروح المعاني: 26/71 ، وفتح الغدير: 5/39 ، واُسد الغابة: 4/29.
[47] سورة محمد: 32.
[48] تفسير البرهان: 4/189.
[49] سورة الزمر: 32.
[50] رواه ابن مردويه في كتاب المناقب ، كما في كشف الغمة : 93 ، وتفسير البرهان: 4/76.
[51] الأحزاب: 58.
[52] تفسيرالقرطبي : 4/24 ، وأسباب النزول: 207 وشواهدالتنزيل: 2/93 وتفسير الخازن: 3/511.
[53] سورة الزخرف: 41.
[54] الدر المنثور : 6/18 ، وينابيع المودّة : 98 ، وشواهد التنزيل : 2/151 ، ومناقب ابن المغازلي: 274.
[55] سورة النمل: 89 ـ 90.
[56] خصائص الوحي المبين لابن بطريق الحلي : 217.
[57] مسند أحمد: 3/483 ، وذخائر العقبى : 65 ، والصواعق المحرقة : 73.
[58] ميزان الاعتدال: 3/151 ، ولسان الميزان : 3/90 و 4/251 ، وارجح المطالب: 119. وينابيع المودة : 251.
[59] مسند أحمد: 1/84 و 95 و 128 ، وصحيح مسلم: 1 / 41 ، والتاج الجامع للاصول: 3/335 وصحيح الترمذي: 2/301 ، وسنن النسائي: 2/271 ، وخصائصه: 27 ، وذخائر العقبى : 43 ، وتاريخ الخلفاء : 170 ، والصواعق المحرقة: 74.
[60] ترجمة الإمام علي(عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق: 2/225 / 730.
[61] ينابيع المودّة: 128 ، وبلفظ آخر لابن الأثير في اُسد الغابة: 5 /287، وتاريخ بغداد: 13/186، ومجمع الزوائد: 6/236 ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة: 2/397.
[62] الأنعام : 159.
[63] خصائص الوحي المبين لابن بطريق : 214، وفي تاريخ دمشق : 18/4.
[64] النحل: 43.
[65] تفسير ابن جرير الطبري : 17/5.
[66] مسند الإمام أحمد بن حنبل : 3/83 ، وبنفس المعنى في حلية الأولياء لأبي نعيم: ؤ1/67 ، واُسد الغابة لابن الأثير : 3/283.
[67] صحيح البخاري في كتاب الصلاة وصحيح مسلم في كتاب الفتن وسنن الترمذي: 5/628، باب 35 مناقب عمار بن ياسر، ح 3800، ومستدرك الصحيحين: 2/148 ومسند أحمد : 3/516، ح 11451 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 13/186.
[68] صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق وخصائص النسائي : 137 ، وميزان الاعتدال للذهبي : 2/263.
[69] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 14/321 ، والحاكم في مستدرك الصحيحين : 3/124 وصحيح الترمذي: 2/298.
[70] مسند أحمد : 4/164 و 165 بخسمة طرق ، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: 19 و20 بطريقين، وصحيح البخاري : 3 /229، والصواعق المحرقة : 74 ، وسنن البيهقي : 8 / 5.